فصل: الحديث التَّاسِع بعد الْعشْرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّادِس بعد الْعشْرين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أهْدَى مائَة بَدَنَة فَنحر مِنْهَا بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَأمر عليًّا فَنحر الْبَاقِي».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث جَابر الطَّوِيل، وَقد أسلفناه بِطُولِهِ فِي الْحَج، وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ: «فَنحر مِنْهَا ستًّا وَسِتِّينَ» وَهُوَ من النَّاسِخ، وَقد ذكره عَلَى الصَّوَاب بعد هَذَا الْموضع بأوراق فِي أثْنَاء الحكم الثَّالِث فِي الْأكل من الْأُضْحِية. وَوَقع فِي مُسْند أَحْمد وسنَن أبي دَاوُد من حَدِيث عَلّي- كرم الله وَجهه- قَالَ: «لما نحر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بدنه فَنحر ثَلَاثِينَ بِيَدِهِ وَأَمرَنِي فنحرت سائرها» وَفِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق، حَدثنِي رجل، عَن عبد الله بن أبي نجيح. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَجَاء فِي حَدِيث غرفَة بن الْحَارِث «أَنه أُتِي بِالْبدنِ فَقَالَ: ادعوا لي أَبَا حسن. فدعي لَهُ عَلّي بن أبي طَالب فَقَالَ لَهُ: خُذ بِأَسْفَل الحربة. وَأخذ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَعْلَاهَا ثمَّ طَعنا بهَا الْبدن». فَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نحر بِيَدِهِ وَحده ثَلَاثِينَ، وَنحر هُوَ وَعلي بن أبي طَالب ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فأضاف الْجَمِيع إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيحصل الْجمع بَين الْأَحَادِيث.
قلت: وَإِنَّمَا يلتجأ إِلَى الْجمع عِنْد صِحَة الْمعَارض، وَهَذَا الْمعَارض ضَعِيف؛ فَإِن فِي إِسْنَاده عبد الله بن الْحَارِث وَلَا يعرف لَهُ حَال وَإِن ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَلَا يعرف لَهُ راوٍ غير حَرْمَلَة بن عمرَان قَالَ ابْن الْقطَّان: وَقد أخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث فِي غير صَحِيحه كَمَا أخبر بذلك ابْن السكن، وَإِنَّمَا لم يُخرجهُ فِيهِ لجَهَالَة عبد الله.
فَائِدَة: ذكر ابْن حبَان فِي صَحِيحه «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَوْصَى بذلك سني عمره وَهِي ثَلَاث وَسِتُّونَ بَدَنَة عَن كل سنة بَدَنَة».

.الحديث السَّابِع بعد الْعشْرين:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يذبح أضحيته بالمصلى».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَهَذَا لَفظه: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يذبح أَو ينْحَر بالمصلى» وَاللَّفْظ الَّذِي ذكره المُصَنّف هُوَ لفظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ.

.الحديث الثَّامِن بعد الْعشْرين:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمر نِسَاءَهُ أَن يلين ذبح هديهن».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ.

.الحديث التَّاسِع بعد الْعشْرين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «قومِي إِلَى أضحيتك فاشهديها، فَإِنَّهُ بِأول قَطْرَة من دَمهَا يغْفر لَك مَا سلف من ذنوبك».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من حَدِيث عمرَان بن الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول قَالَ لفاطمة: قومِي إِلَى أضحيتك فاشهديها؛ فَإِنَّهُ يغْفر لَك عِنْد أول قَطْرَة تقطر من دَمهَا كل ذَنْب عملتيه. وَقَوْلِي: إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا من الْمُسلمين. قَالَ عمرَان: يَا رَسُول الله، هَذَا لَك وَلأَهل بَيْتك خَاصَّة- وَأهل ذَلِك أَنْتُم- أم للْمُسلمين عَامَّة؟ قَالَ: بل للْمُسلمين عَامَّة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
قلت: فِيهِ نظر؛ لِأَن فِي إِسْنَاده أَبَا حَمْزَة الثمالِي ثَابت بن أبي صَفِيَّة مولَى الْمُهلب بن أبي صفرَة وَهُوَ ضَعِيف جدًّا. قَالَ أَحْمد وَابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن حبَان: فحش خَطؤُهُ، وَكثر وهمه فَاسْتحقَّ التّرْك. قَالَ الْحَاكِم: وَلِهَذَا الحَدِيث شَاهد من حَدِيث عَطِيَّة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لفاطمة: «يَا فَاطِمَة، قومِي إِلَى أضحيتك فاشهديها فَإِن لَك بِأول قَطْرَة تقطر من دَمهَا يغْفر لَك مَا سلف من ذنوبك. قَالَت: يَا رَسُول الله، هَذَا لنا أهل الْبَيْت خَاصَّة أَو لنا وللمسلمين عَامَّة؟ قَالَ: بل لنا وللمسلمين عَامَّة- مرَّتَيْنِ».
قلت: هَذَا الشَّاهِد يحْتَاج إِلَى دعائم؛ فعطية واه، وَفِيه مَعَه دَاوُد بن عبد الحميد الْكُوفِي، قَالَ أَبُو حَاتِم: حَدِيثه يدل عَلَى ضعفه. وَقَالَ الْعقيلِيّ: رَوَى عَن عَمْرو بن قيس الْملَائي أَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا مِنْهَا هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَفِيه رِوَايَة أُخْرَى من غير هَذَا الْوَجْه فِيهَا لين أَيْضا.
قلت: لَعَلَّه أَرَادَ الطَّرِيقَة الأولَى فتلخص ضعف الْأَصْلِيّ وَالشَّاهِد، لَا جرم قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن حَدِيث سعيد هَذَا فَقَالَ حَدِيث مُنكر. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ، وَمن طَرِيق عَمْرو بن خَالِد، عَن مُحَمَّد بن عَلّي، عَن آبَائِهِ، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة: «يَا فَاطِمَة قومِي فاشهدي أضحيتك، أما إِن لَك بِأول قَطْرَة تقطر من دَمهَا مغْفرَة لكل ذَنْب، أما إِنَّه ليجاء بهَا يَوْم الْقِيَامَة بِلُحُومِهَا ودمائها سبعين ضعفا حَتَّى تُوضَع فِي ميزانك. فَقَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ: يَا رَسُول الله، أهذه لأهل مُحَمَّد خَاصَّة- فهم أهل لما خصوا بِهِ من خير- أَو لآل مُحَمَّد وَالنَّاس عَامَّة؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: بل هِيَ لآل مُحَمَّد وَالنَّاس عَامَّة» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: عَمْرو بن خَالِد ضَعِيف. وَسكت عَن الطَّرِيقَيْنِ الْأَوَّلين، وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ، وَذكره الْحَاكِم فِي كتاب مَنَاقِب فَاطِمَة من هَذِه الطَّرِيق الَّتِي ضعفها الْبَيْهَقِيّ وَلم يُضعفهُ وَقَالَ بدل عَن آبَائِهِ: عَن مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَلّي وَهُوَ المُرَاد أَيْضا.

.الحديث الثَّلَاثُونَ:

عَن شَدَّاد بن أَوْس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن الله كتب الْإِحْسَان فِي كل شَيْء، فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة، وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذبْحَة، وليحد أحدكُم شفرته، وليرح ذَبِيحَته».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم مُنْفَردا بِهِ، وَقد سلف فِي بَاب الْقصاص وَاضحا، وَوَقع فِي الرَّافِعِيّ «فِي كل شَيْء» بدل: «عَلَى كل شَيْء» وَالْمَوْجُود فِي أَحْمد وَمُسلم وَالسّنَن الْأَرْبَعَة «عَلَى» وَقد ذكره كَذَلِك الرَّافِعِيّ فِي الْموضع السالف.

.الحديث الحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحى بكبشين أملحين، فَلَمَّا وجههما قَرَأَ {وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض حَنِيفا} الْآيَتَيْنِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة مُحَمَّد... بن إِسْحَاق، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي عَيَّاش عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «ذبح النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم النَّحْر كبشين أملحين أقرنين موجوءين، فَلَمَّا أوجههمَا قَالَ: إِنِّي وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض عَلَى مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَمَا أَنا من الْمُشْركين، إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا من الْمُسلمين، اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك، اللَّهُمَّ عَن مُحَمَّد وَأمته، بِسم الله وَالله أكبر ثمَّ ذبح». وَقد تقدم قَرِيبا- بأوراق فِي هَذَا الْبَاب- الْكَلَام عَلَى إِسْنَاده وَهُوَ الحَدِيث الْخَامِس عشر مِنْهُ. وَأخرجه أَحْمد وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه مُصَرحًا بِالتَّحْدِيثِ لِابْنِ إِسْحَاق، وَبِزِيَادَة أُخْرَى فَإِنَّهُ أخرجه من حَدِيثه قَالَ: حَدثنِي يزِيد بن أبي حبيب، عَن خَالِد بن أبي عمرَان، عَن أبي عَيَّاش، عَن جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام ذبح يَوْم الْعِيد كبشين ثمَّ قَالَ حِين وجههما: إِنِّي وجهت وَجْهي إِلَى قَوْله {وَأَنا أول الْمُسلمين} بِسم الله وَالله أكبر، اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك من مُحَمَّد وَأمته» وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا فِي سنَنه من طَرِيق أبي دَاوُد بِنَحْوِ من لَفْظهمَا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: قد يرْوَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَجه لَا يثبت مثله «أَنه ضحى بكبشين» فَقَالَ فِي أَحدهمَا بعد ذكر الله: «اللَّهُمَّ عَن مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد» وَفِي الآخر: «اللَّهُمَّ عَن مُحَمَّد وَأمة مُحَمَّد» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِي حَدِيث عَائِشَة أَو أبي هُرَيْرَة. ثمَّ ذكر الحَدِيث الْخَامِس عشر من أَحَادِيث هَذَا الْبَاب ثمَّ قَالَ: وَفِيمَا ذكرنَا قبل هَذَا كِفَايَة.
استنادًا إِلَى حَدِيث عَائِشَة الثَّابِت فِي مُسلم، وَهُوَ الحَدِيث الثَّانِي من هَذَا الْبَاب، وَإِلَى حَدِيث جَابر الَّذِي ذَكرْنَاهُ أَيْضا.

.الحديث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عِنْد الضحية بذلك الْكَبْش: اللَّهُمَّ تقبل من مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الْبَاب، وَمِمَّا لم يقدمهُ هُنَاكَ أَن أَحْمد فِي مُسْنده أخرجه من حَدِيث زُهَيْر بن عبد الله بن مُحَمَّد، عَن عَلّي بن حُسَيْن، عَن أبي رَافع «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا ضحى اشْتَرَى كبشين سمينين أملحين أقرنين، فَإِذا صَلَّى وخطب النَّاس أَتَى بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ قَائِم فِي مُصَلَّاهُ فذبحه بِنَفسِهِ بالمدية ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ هَذَا عَن أمتِي جَمِيعًا مِمَّن شهد لَك بِالتَّوْحِيدِ وَشهد لي بالبلاغ. ثمَّ يُؤْتَى بِالْآخرِ فيذبحه بِنَفسِهِ وَهُوَ يَقُول: هَذَا عَن مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد. ويطعمهما جَمِيعًا الْمَسَاكِين وَيَأْكُل هُوَ وَأَهله مِنْهُمَا، فَمَكثْنَا سِنِين لَيْسَ رجل من بني هَاشم يُضحي قد كَفاهُ الله الْمُؤْنَة برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْغُرْم».

.الحديث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا دخل الْعشْر وَأَرَادَ أحدكُم أَن يُضحي فَلَا يمس من شعره وَلَا بشره شَيْئا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح تقدم بَيَانه وَالْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي أول الْبَاب، وَوَقع هُنَا فِي الرَّافِعِيّ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أهْدَى» وَلم ينْقل أَنه يتَلَفَّظ بِشَيْء، فحدفته اعْتِمَادًا عَلَى ذكري لَهُ فِي آخر الْحَج.

.الحديث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كنت أفتل قلائد هدي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يقلدها هُوَ بِيَدِهِ، ثمَّ يبْعَث بهَا فَلَا يحرم عَلَيْهِ شَيْء أحله الله تَعَالَى لَهُ حَتَّى ينْحَر الْهَدْي».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَهُوَ إِحْدَى رِوَايَتهَا.

.الحديث الخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أوجبت عَلَى نَفسِي بَدَنَة وَهِي تطلب مني بسوق. فَقَالَ: انحرها وَلَا تبعها وَلَو طلبت بِمِائَة بعير».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من رِوَايَة الجهم بن الْجَارُود، عَن سَالم بن عبد الله، عَن أَبِيه قَالَ: «أهْدَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بختيًّا، فَأعْطَى بهَا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ثَلَاثمِائَة دِينَار فَأَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أهديت بختيًّا، فَأعْطيت بهَا ثَلَاثمِائَة دِينَار فأبيعها وأشتري بِثمنِهَا بدنًا؟ قَالَ: لَا، انحرها إِيَّاهَا». قَالَ البُخَارِيّ: لَا يعرف لجهم سَمَاعا من سَالم. نَقله الْمُنْذِرِيّ عَنهُ، وَتَابعه عبد الْحق فَقَالَ فِي أَحْكَامه: لَا يعرف لَهُ سَماع من سَالم.
قَالَ ابْن الْقطَّان: وجهم مَجْهُول الْحَال، لَا يعرف رَوَى عَنهُ غير أبي عبد الرَّحِيم خَالِد بن أبي يزِيد وَبِذَلِك من غير مزِيد ذكره البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم.
وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فَقَالَ فِي الْمِيزَان: فِيهِ جَهَالَة. وَقَالَ فِي الضُّعَفَاء: مَجْهُول.
فَائِدَة: قَوْله: «أهديت بختيًّا» رَأَيْته فِي نُسْخَة مُعْتَمدَة من سنَن أبي دَاوُد بنُون ثمَّ جِيم ثمَّ مثناة تَحت ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ ألف ومكتوب عَلَى ذَلِك عَلامَة تَصْحِيح، وَكَذَلِكَ رَأَيْته عَلَى هَذَا الضَّبْط فِي كتاب ابْن الْقطَّان عَلَى عبد الْحق وَكَذَلِكَ شَرحه ابْن الْأَثِير فِي جامعه فَقَالَ: النجيب من الْإِبِل نوع مِنْهُ مَعْرُوف وَهُوَ من خِيَارهَا. وَذكره الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي أَطْرَافه أَنه قَالَ: نجيبة بِالْهَاءِ فِي آخِره. وَكَذَا شَرحه ابْن معن فِي تنقيبه عَلَى الْمُهَذّب فَقَالَ: قَوْله «أهديت نجيبة» النجائب من الْإِبِل: الَّتِي يركبهَا أَصْحَاب الْبَرِيد وَالسَّابِقُونَ إِلَى المَاء. وَقيل: المُرَاد هُنَا الْكَرِيمَة. والنجب: النجباء نوع من الْإِبِل نجاب الرّكُوب. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: وَقع فِي الْمُهَذّب: «نجيبة» وَالَّذِي قَالَه المحدثون وَوَقع فِي روايتهم «نجيبًا» بِغَيْر هَاء. قلت:
لَا إنكارها عَلَى صَاحب الْمُهَذّب فقد وجدت كَمَا عَرفته، وَأما الْمُنْذِرِيّ فضبطه فِي اختصاره للسنن بباء مُوَحدَة مَضْمُومَة ثمَّ خاء مُعْجمَة سَاكِنة ثمَّ مثناة فَوق ثمَّ من تَحت مُشَدّدَة. وَكَذَا وَقع فِي سنَن الْبَيْهَقِيّ لكنه قَالَ بُخْتِيَّة بهاء التَّأْنِيث ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد ذَلِك: كَذَا قَالَ: «بُخْتِيَّة» وَفِي ذَلِك إِشَارَة إِلَى توقف فِي ذَلِك. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَالْبخْت من الْإِبِل مَعْرُوف، وَقيل: هُوَ عَرَبِيّ، وَهِي طوال الْأَعْنَاق. وَقيل: إبل غِلَاظ ذَات سنَامَيْنِ الْوَاحِدَة بختى وَالْأُنْثَى بُخْتِيَّة وَجَمعهَا بخاتى غير مَصْرُوف وَلَك أَن تخفف التَّاء فَتَقول بَخَاتِي وَهَذِه قَاعِدَة مَشْهُورَة لأهل الْعَرَبيَّة.

.الحديث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «اشْتريت كَبْشًا لأضحي، فَعدا الذِّئْب فَأخذ مِنْهُ الألية، فَسَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ضح بِهِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد عَن وَكِيع، ثَنَا سُفْيَان، عَن جَابر، عَن مُحَمَّد بن قرظة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «اشْتريت كَبْشًا أضحي بِهِ فَعدا الذِّئْب فَأخذ الألية فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ضح بِهِ». وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث جَابر بن يزِيد، عَن مُحَمَّد بن قرظة الْأنْصَارِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «ابتعنا كَبْشًا نضحي بِهِ، فَأصَاب الذِّئْب من أليته» وَفِي بعض النّسخ «أَو من أُذُنه، فسألنا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمرنَا أَن نضحي بِهِ» وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي ثقاته بالسند الْمَذْكُور وَلَفظه: «اشْتريت كَبْشًا أضحي بِهِ فَقطع الذِّئْب أليته- أَو من الألية فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمرنِي أَن أضحي بِهِ» وَرَوَاهُ ابْن حزم فِي محلاه بالسند الْمَذْكُور وَلَفظه: «فَعدا الذِّئْب عَلَى ذَنبه فَقَطعه، فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ضح بِهِ» وَجَابِر هَذَا هُوَ الْجعْفِيّ، وَقد سلفت حَالَته فِي بَاب الْأَذَان، قَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ فِي كتابي لَهُ سُوَى حَدِيث فِي السَّهْو. وَمُحَمّد بن قرظة لَا يعرف لَهُ حَال كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: مَا رَوَى عَنهُ سُوَى جَابر الْجعْفِيّ.
قلت: لَكِن ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَأما ابْن حزم فَإِنَّهُ أعله فِي محلاه بجابر فَقَالَ: أثر رَدِيء، وَجَابِر كَذَّاب. وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بالسند الْمَذْكُور بِلَفْظ: «اشْتريت شَاة لأضحي بهَا، فَخرجت فَأخذ الذِّئْب أليتها، فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ضح بهَا» قَالَ: وَفِي رِوَايَة سُفْيَان: «اشترينا كَبْشًا لنضحي بِهِ فَقطع الذِّئْب أليته أَو من أليته- فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمرنِي أَن أضحي بِهِ» قَالَ: وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ شُعْبَة بن الْحجَّاج وَشريك بن عبد الله عَن جَابر الْجعْفِيّ، إِلَّا أَن جَابِرا غير مُحْتَج بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى الْحجَّاج ابْن أَرْطَاة، عَن شيخ من أهل الْمَدِينَة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا بَأْس بالأضحية المقطوعة الذَّنب»
قَالَ: وَهَذَا مُخْتَصر من الحَدِيث الأول؛ فقد رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حجاج، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد «أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شَاة قطع الذِّئْب ذنبها يضحى بهَا؟ فَقَالَ: ضح بهَا».
وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي تمهيده بعد أَن أخرجه من رِوَايَة جَابر، عَن مُحَمَّد بن قرظة، عَن أبي سعيد بِمثل حَدِيث سُفْيَان: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِقَوي. قَالَ: وَقيل: إِن مُحَمَّدًا بن قرظة لم يسمع من أبي سعيد الْخُدْرِيّ. قَالَ: وَكَانَ شُعْبَة يصف جَابر بن يزِيد بِالْحِفْظِ وَيحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: رَوَاهُ شُعْبَة وسُفْيَان وَاخْتلف فِيهِ فَقَالَ شُعْبَة: عَن جَابر، عَن مُحَمَّد بن قرظة عَن أبي سعيد. وَقَالَ الثَّوْريّ: عَن جَابر، عَن قرظة، عَن أبي سعيد. قَالَ: وَالثَّوْري أحفظ. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله مثله سَوَاء.

.الحديث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن عليًّا قدم ببدن من الْيمن وسَاق النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة بَدَنَة، فَنحر مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَة بِيَدِهِ، وَنحر عَلّي مَا بَقِي، ثمَّ أَمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تُؤْخَذ بضعَة من كل بَدَنَة فتجعل فِي قدر، فأكلا من لَحمهَا وحسيا من مرقها».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه وَقد سلف فِي الْحَج بِطُولِهِ.
فَائِدَة: البَضعة بِفَتْح الْبَاء لَا غير، وَإِنَّمَا أَخذ عَلَيْهِ السَّلَام من كل بَدَنَة بضعَة وَشرب من مرقها ليَكُون قد تنَاول من كل وَاحِدَة شَيْئا.

.الحديث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَمرنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أقوم عَلَى بدنه وَأقسم جلودها وجلالها، وَأَن لَا أعطي الجزار مِنْهَا شَيْئا، وَقَالَ: نَحن نُعْطِيه من عندنَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور.
فَائِدَة: الْجلَال- بِكَسْر الْجِيم- جمع جلّ.

.الحديث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْكُل من كبد أضحيته».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ- كَمَا سلف- فِي بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ فِي الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين مِنْهُ.

.الحديث الأَرْبَعُونَ:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «دف نَاس من أهل الْبَادِيَة حَضْرَة الْأُضْحِية زمن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ادخروا ثَلَاثًا- وَفِي رِوَايَة: لثلاث- ثمَّ تصدقوا بِمَا بَقِي، فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِن النَّاس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويجملون مِنْهَا الودك. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا ذَاك؟ قَالُوا: نهيت أَن نَأْكُل لُحُوم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاث. قَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ من أجل الدافة الَّتِي دفت، فَكُلُوا وتصدقوا وَادخرُوا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَاللَّفْظ لمُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ قَالَت: «الضحية كُنَّا نملح مِنْهُ فنقدم بِهِ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: لَا تَأْكُلُوا إِلَّا ثَلَاثَة أَيَّام. وَلَيْسَت بعزيمة، وَلَكِن أَرَادَ أَن نطعم مِنْهُ وَالله أعلم» وَفِي لفظ لَهُ عَن عَابس بن ربيعَة قلت لعَائِشَة: «أنهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُؤْكَل من لُحُوم الْأَضَاحِي فَوق ثَلَاث؟ قَالَت: مَا فعله إِلَّا فِي عَام جَاع النَّاس فِيهِ فَأَرَادَ أَن يطعم الْغَنِيّ وَالْفَقِير».
قلت: وَفِي الْبَاب عَن جَابر، وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع- أخرجهُمَا الشَّيْخَانِ- وَبُرَيْدَة، وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ.
أخرجهُمَا مُسلم قَالَ الرَّافِعِيّ: وَجَاء فِي رِوَايَة: «كلوا وَادخرُوا، وَاتَّجرُوا».
قلت: هَذِه الرِّوَايَة حَسَنَة رويناها فِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث نُبَيْشَة- عَلَى وزن عُيَيْنَة- الْهُذلِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «كُنَّا نَهَيْنَاكُمْ عَن لحومها أَن تَأْكُلُوهَا فَوق ثَلَاث لكَي تَسَعكم، جَاءَكُم الله بِالسَّعَةِ، فَكُلُوا وَادخرُوا وَاتَّجرُوا، أَلا وَإِن هَذِه الْأَيَّام أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله» وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده.
فَائِدَة:
قَالَ الرَّافِعِيّ: «اتَّجرُوا» أَي اطْلُبُوا الْأجر بِالصَّدَقَةِ. قَالَ: وَتعرض للادخار لأَنهم أرجعوه فِيهِ فَقَالَ: كلوا فِي الْحَال إِن شِئْتُم. وَادخرُوا إِن شِئْتُم وَكَذَا قَالَ ابْن الْأَثِير أَنه أَمر من الْأجر، أَي: اطْلُبُوا بِهِ الْأجر وَالثَّوَاب. قَالَ: وَلَو كَانَ من التِّجَارَة لَكَانَ بتَشْديد الرَّاء، وَالتِّجَارَة فِي الضَّحَايَا لَا تصح؛ لِأَن بيعهَا فَاسد، إِنَّمَا يُؤْكَل وَيتَصَدَّق مِنْهَا. وَقَالَ ابْن الصّلاح: «اتَّجرُوا» عَلَى وزن اتَّخذُوا وَهُوَ بِمَعْنى ائتجروا بِالْهَمْز من الْأجر؛ لقَولهم فِي الْإِزَار: يتزر وَقد صحّح ذَلِك من حَيْثُ اللُّغَة الْخطابِيّ والهروي. قَالَ الْخطابِيّ: أَصله ايتجروا عَلَى وزن افتعلوا يُرِيد الصَّدَقَة الَّتِي يبتغى أجرهَا وثوابها ثمَّ قيل اتَّجرُوا كَمَا يُقَال: اتَّخذت الشَّيْء وَأَصله ايتخذته، وَهَذَا من الْأَخْذ هُوَ من الْأجر، وَلَيْسَ من بَاب التِّجَارَة. وَقد أَبَى الزَّمَخْشَرِيّ الْهَمْز؛ لِأَن الْهَمْز لَا يدْخل فِي التَّاء قَالَ: وَقد غلط من قَرَأَ «الَّذِي أتمن أَمَانَته». وَقَوْلهمْ: اتزر عَامي والفصحاء عَلَى ائتزر.
فَائِدَة ثَانِيَة:
قَوْلهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «دف نَاس» هُوَ بتَشْديد الْفَاء أَي: جَاءَ. قَالَ أهل اللُّغَة: الدافة: قومٍ يَسِيرُونَ جمَاعَة سيرًا لَيْسَ بالشديد يُقَال لَهُم: يدففون تدفيفًا. والبادية والبدو بِمَعْنى، وَهُوَ مَأْخُوذ من البُدُو وَهُوَ الظُّهُور. وَقَوْلها: «حضر» هُوَ بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة، هَكَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَر، وَقَيده بَعضهم بِفَتْح الضَّاد، وَالْمعْنَى وَاحِد وَهُوَ الترف، وَيجوز فتح الْحَاء وَكسرهَا وَضمّهَا ثَلَاث لُغَات حكاهن ابْن السّكيت وَغَيره. وَقَوْلها: «ويجملون الودك» هُوَ بِالْجِيم وَيجوز ضم الْيَاء وَفتحهَا وَهُوَ أفْصح وَهُوَ الإذابة.
تَنْبِيه: حَكَى الرَّافِعِيّ هُنَا خلافًا فِي أَنه لَو دفت دافة الْيَوْم فَهَل نحكم بِتَحْرِيم الادخار؟ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالظَّاهِر عدم التَّحْرِيم وَتَبعهُ فِي الرَّوْضَة.
قلت: لَكِن نَص الشَّافِعِي فِي الرسَالَة عَلَى خِلَافه، ذكره فِي بَاب الْعِلَل فِي الحَدِيث فاستفده.

.الحديث الحَادِي بعد الْأَرْبَعين:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن ذَبَائِح الْجِنّ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن حبَان فِي ضُعَفَائِهِ من حَدِيث عبد الله بن أذينة، عَن ثَوْر بن يزِيد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور ثمَّ قَالَ: وَعبد الله بن أذينة شيخ رَوَى عَن ثَوْر مَا لَيْسَ من حَدِيثه، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال. قَالَ: وَهَذِه نُسْخَة كتبناها عَنهُ، لَا يحل ذكرهَا فِي الْكتب إِلَّا عَلَى سَبِيل الْقدح فِيهَا. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته من هَذَا الْوَجْه ثمَّ ذكر الْكَلَام الْمَذْكُور فِيهِ عَن ابْن حبَان أَيْضا، وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي غَرِيبه ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيثه عَن عمر بن هَارُون، عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي، عَن الزُّهْرِيّ يرفع الحَدِيث «أَنه نهَى عَن ذَبَائِح الْجِنّ». قَالَ: وذبائح الْجِنّ أَن يَشْتَرِي الرجل الدَّار أَو يسْتَخْرج الْعين وَمَا أشبه ذَلِك فَيذْبَح لَهَا ذَبِيحَته للطيرة. قَالَ أَبُو عبيد: وَهَذَا التَّفْسِير فِي الحَدِيث مَعْنَاهُ أَنهم يَتَطَيَّرُونَ فيخافون إِن لم يذبحوا أَن يمسهم فِيهَا شَيْء من الْجِنّ يؤذيهم فَأبْطل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك وَنَهَى عَنهُ.
قلت: وَهَذِه الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا أَبُو عبيد وَالْبَيْهَقِيّ ضَعِيفَة لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: لانقطاعها وَهُوَ ظَاهر.
ثَانِيهمَا: أَن عمر بن هَارُون واهٍ مُتَّهم، قَالَ يَحْيَى: كَذَّاب خَبِيث لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره:

فستة:

.أَحدهَا وَثَانِيها:

عَن أبي بكر وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنَّهُمَا كَانَا لَا يضحيان مَخَافَة أَن يعْتَقد النَّاس وُجُوبهَا».
وَهَذَا الْمَرْوِيّ عَنْهُمَا قَالَ الشَّافِعِي: بلغنَا أَن «أَبَا بكر الصّديق وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما كَانَا لَا يضحيان كَرَاهَة أَن يُقْتَدَى بهما فيظن من رآهما أَنَّهَا وَاجِبَة» ثمَّ سَاق الْبَيْهَقِيّ عقب ذَلِك من حَدِيث الْفرْيَابِيّ ثَنَا سُفْيَان، عَن أَبِيه ومطرف وَإِسْمَاعِيل، عَن الشّعبِيّ، عَن أبي سريحَة الْغِفَارِيّ قَالَ: «أدركنا أَبَا بكر- أَو رَأَيْت أَبَا بكر- وَعمر لَا يضحيان كَرَاهِيَة أَن يُقْتَدَى بهما» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَبُو سريحَة الْغِفَارِيّ هُوَ حُذَيْفَة بن أسيد صَاحب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ ذكره بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: إِن الصَّحِيح رِوَايَة إِسْمَاعِيل عَن الشّعبِيّ؛ لِأَنَّهُ سَمعه مِنْهُ. ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ مثل ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَأبي مَسْعُود البدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.

.الْأَثر الثَّالِث:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «من عين أضحيته فَلَا يسْتَبْدل بهَا».
وَهَذَا الْأَثر غَرِيب لَا يحضرني من خرجه عَنهُ، ويغني فِي الدّلَالَة عَنهُ حَدِيث عمر السَّابِق.

.الْأَثر الرَّابِع:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَنَّهَا أَهْدَت هديين فأضلتهما، فَبعث ابْن الزبير إِلَيْهَا هديين فنحرتهما، ثمَّ عَاد الضالان فنحرتهما وَقَالَت: هَذِه سنة الْهَدْي».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة الْقَاسِم عَنْهُمَا بِإِسْنَاد صَحِيح، قَالَ ابْن الْقطَّان: كل إِسْنَاده ثِقَات إِلَّا سعد بن سعيد الْأنْصَارِيّ فَإِنَّهُ ضَعِيف بِالنِّسْبَةِ إِلَى من فَوْقه، وَقد أخرج لَهُ مُسلم حَدِيث: «من صَامَ رَمَضَان ثمَّ أتبعه ستًّا من شَوَّال» وَأعله عبد الْحق بِأَن قَالَ: لَا يحْتَج بِإِسْنَادِهِ. فَاعْترضَ عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان بِمَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ قَالَ: وَلَعَلَّه اشْتبهَ عَلَيْهِ سعد هَذَا بِسَعْد بن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري.